Logo Logo
زواج الإمام الحسن العسكري (ع)
زواج الإمام الحسن العسكري (ع)

زواج الإمام الحسن العسكري (ع)

زواج الإمام الحسن العسكري (ع)

روي عن بشر بن سليمان النخاس ـ وهو من ولد أبي أيوب الأنصاري ـ أحد موالي أبي الحسن الهادي وأبي محمّد العسكري (ع) أنّه قال :

«أتاني كافور الخادم ـ خادم الإمام الهادي ـ فقال : مولانا أبو الحسن عليّ الهادي (ع) يدعوك إليه فأتيته فلما جلست بين يديه قال لي : يابشر إنك من ولد الأنصار وهذه الموالاة لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف ، وأنتم ثقاتنا أهل البيت ، وإني مزكيك ومشرفك بفضيلة تسبق بها الشيعة في الموالاة بها ، بسرّ أطّلعك عليه ، وأنفذك في ابتياع أَمَة.

فكتب كتاباً لطيفاً بخط رومي ولغة رومية وطبع عليه خاتمه وأخرج شقيقة صفراء فيها مائتان وعشرون ديناراً ، فقال: خذها وتوجه إلى بغداد واحضر معبر الفرات ضحوة يوم كذا ، فإذا وصلت إلى جانبك زواريق السبايا وترى الجواري فيها ستجد طوائف المبتاعين من وكلاء قواد بني العبّاس وشرذمة من فتيان العرب ، فإذا رأيت ذلك فأشرف من البعد على المسمّى عمر بن يزيد النخّاس عامة نهارك إلى أن تبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا ، لابسة حريرين صفيقين تمتنع من العرض ولمس المعترض والانقياد لمن يحاول لمسها ، وتسمع صرخة رومية من وراء ستر رقيق ، فاعلم أنّها تقول : واهتك ستراه ، فيقول بعض المبتاعين : عليّ ثلاثمائة دينار فقد زادني العفاف فيها رغبة ، فتقول له بالعربية : ولو برزت في زيّ سليمان بن داود وعلى شبه ملكه ما بدت لي فيك رغبة فأشفق على مالك ، فيقول النخّاس : فما الحيلة؟ ولا بد من بيعك ، فتقول الجارية : وما العجلة؟ ولا بد من اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه وإلى وفائه وأمانته ، فعند ذلك قم إلى عمر بن يزيد النخّاس وقل له : إنّ معك كتاباً ملصقاً لبعض الأشراف كتبه بلغة رومية وخطّ رومي ، ووصف فيه كرمه ووفاءه ونبله وسخاءه ، فناولها لتتأمل منه أخلاق صاحبه فإن مالت إليه ورضيتهُ ، فأنا وكيله في إبتياعها منك .

قال بشر بن سليمان : فامتثلت جميع ما حدّه لي مولاي أبو الحسن (ع) في أمر الجارية فلما نَظَرَتْ في الكتاب بكتْ بكاءً شديداً وقالت لعمر بن يزيد بِعني لصاحب هذا الكتاب ، وحلفت بالمحرجة والمغلظة أنّه متى امتنع من بيعها منه قتلتْ نفسها ، فما زلت اُشاحّه في ثمنها حتّى استقرّ الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي (ع) من الدنانير ، فاستوفاه مني وتسلّمت الجارية ضاحكة مستبشرة ، وانصرفت بها إلى الحجيرة التي كنت آوي إليها ببغداد ، فما أخذها القرار حتّى أخرجت كتاب مولانا (ع) من جيبها وهي تلثمه وتطبقه على جفنها وتضعه على خدّها وتمسحه على بدنها ، فقلت تعجباً منها : تلثمين كتاباً لا تعرفين صاحبه ؟ فقالت : أيها العاجز الضعيف المعرفة بمحلّ أولاد الأنبياء أعِرني سمعك وفرّغ لي قلبك أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم ، واُمي من ولد الحواريين تنسب إلى وصيّ المسيح شمعون : اُنبّـِئُك بالعجب : إنّ جدي قيصر أراد أن يزوّجني من ابن أخيه وأنا من بنات ثلاث عشرة سنة فجمع في قصره من نسل الحواريين من القسيسين والرهبان ثلاثمائة رجلاً، ومن ذوي الأخطار منهم سبعمائة رجلاً، وجمع من اُمراء الأجناد وقوّاد العسكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر أربعة آلاف ، وأبرز من بهيّ ملكه عرشاً مصنوعاً من أصناف الجوهر إلى صحن القصر ، ورفعه فوق أربعين مرقاة فلما صعد ابن أخيه وأحدقت الصلب وقامت الأساقفة عكّفاً ونشرت أسفار الإنجيل تسافلت الصلب من الأعلى فلصقت بالأرض وتقوّضت أعمدة العرش فانهارت إلى القرار . وخرّ الصاعد من العرش مغشيًّا عليه فتغيّرت ألوان الأساقفة وارتعدت فرائصهم .

فقال كبيرهم لجدّي : أيّها الملك إعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالّة على زوال دولة هذا الدين المسيحي والمذهب الملكاني فتطيّر جدّي من ذلك تطيّراً شديداً وقال للأساقفة: أقيموا هذه الأعمدة وارفعوا الصلبان وأحضروا أخا هذا المدبر العاثر المنكوس جدّه لاُزوّجه هذه الصبيّة فيدفع نحوسه عنكم بسعوده . فلمّا فعلوا ذلك حدث على الثاني مثل ما حدث على الأوّل وتفرّق الناس وقام جدّي قيصر مغتمّاً فدخل منزل النساء واُرخيت الستور واُريتُ في تلك الليلة كأنّ المسيح وشمعون وعدّة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدّي ونصبوا فيه منبراً من نور يُباري السماء علوّاً وارتفاعاً في الموضع الذي كان نصب جدّي فيه عرشه ، ودخل عليهم محمّد (ص) وختنه ووصيّه وعدّة من أبنائه (ع) فتقدّم المسيح إليه فاعتنقه ، فيقول له محمّد(ص) : ياروح الله جئتُك خاطباً من وصيّك شمعون فتاتَه مليكة لابني هذا ـ وأوْمأ بيده إلى أبي محمّد(ع) ابن صاحب هذا الكتاب ـ فنظر المسيح إلى شمعون وقال له : قد أتاك الشرف فَصِل رَحِمَك رَحِمَ آلِ محمّد (ع) قال : قد فعلتُ فصعد ذلك المنبر فخطب محمّد (ص) وزوّجني من ابنه وشهد المسيح (ع) ، وشهد أبناء محمّد (ع) والحواريون .

فلما استيقظت أشفقْتُ أنْ أقصّ هذه الرؤيا على أبي وجدّي مخافة القتل فكنت اُسِرّها ولا اُبديها لهم وضرب صدري بمحبّة أبي محمّد (ع) حتى امتنعت من الطعام والشراب فضعُفتْ نفسي ودقّ شخصي ، ومرضت مرضاً شديداً فما بقي في مدائن الروم طبيب إلاّ أحضره جدّي وسأله عن دوائي فلما برح به اليأس قال : ياقرّة عيني وهل يخطر ببالك شهوة فازوّدكها في هذه الدنيا ؟ فقلت ياجدّي أرى أبواب الفرج عليّ مغلقة فلو كشفت العذاب عمّن في سجنك من اُسارى المسلمين وفككت عنهم الأغلال وتصدّقت عليهم ومنّيْتهم الخلاص رجوت أن يهب لي المسيح واُمّه عافية ، فلما فعل ذلك تجلّدت في إظهار الصحة من بدني قليلاً وتناولت يسيراً من الطعام فسُرّ بذلك وأقبل على إكرام الاُسارى وإعزازهم ، فاُريتُ ]أيضاً[بعد أربع عشرة ليلة كأنّ سيدة نساء العالمين فاطمة (س) قد زارتني ومعها مريم ابنة عمران وألف من وصائف الجنان ، فتقول لي مريم : هذه سيدة نساء العالمين أم زوجك أبي محمّد(ع) ، فأتعلّق بها وأبكي وأشكو إليها امتناع أبي محمّد (ع) من زيارتي ، فقالت سيدة النساء (س) إن ابني أبا محمّد لا يزورك وأنت مشركة بالله على مذهب النّصارى ، وهذه اُختي مريم بنت عمران تبرأ إلى الله تعالى من دينك فإن مِلْت إلى رضا الله ورضا المسيح ومريم(ع) وزيارة أبي محمّد إيّاك فقولي :

أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ أبي محمّداً، رسول الله ،
فلما تكلمت بهذه الكلمة ضمَّتني إلى صدرها سيّدة نساء العالمين وطَيَّبَتْ نفسي وقالت : الآن توقَّعي زيارة أبي محمّد فإني منفذته إليك ، فانتبهت وأنا أنول وأتوقّع لقاء أبي محمّد(ع) ، فلمّا كان في الليلة القابلة رأيت أبا محمّد (ع) وكأنّي أقول له : جفوتني ياحبيبي بعد أن أتْلَفَتْ نفسي معالجة حبك . فقال : ما كان تأخّري عنك إلاّ لشركك ، فقد أسلمت وأنا زائرك في كل ليلة إلى أن يجمع الله تعالى شملنا في العيان ، فما قطع عني زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية.

قال بشر: فقلت لها : وكيف وقعت في الاُسارى ؟ فقالت : أخبرني أبو محمّد(ع) ليلة من الليالي أنّ جدكِ سيسيّر جيشاً إلى قتال المسلمين يوم كذا وكذا ، ثمّ يتّبعهم فعليك باللّحاق بهم مُتَنَكّـِرة في زيّ الخدم مع عدّة من الوصائف من طريق كذا. ففعلت ذلك فوقعت علينا طلايع المسلمين حتّى كان من أمري ما رأيت وشاهدت وما شعر بأني ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية أحد سواك ، وذلك باطلاعي إياك عليه ، ولقد سألني الشيخ الذي وقعتُ إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته وقلت : نرجس ، فقال : اسم الجواري .

قلت : العجب إنّك روميّة ولسانك عربيّ ، قالت : نعم من ولوع جدّي وحمله إيّاي على تعلّم الآداب أنْ أوعَز إليَّ امرأة ترجمانة لي في الاختلاف إليّ وكانت تقصدني صباحاً ومساءاً وتفيدني العربية حتى استمرّ لساني عليها واستقام .

قال بشر : فلما إنكفأت بها الى سُرّ من رأى دخلت على مولاي أبي الحسن(ع) فقال : كيف أراكِ اللهُ عزّ الإسلام ، وذلّ النصرانيّة ، وشرف محمّد وأهل بيته(ع)؟ قالت : كيف أصف لك يابن رسول الله ما أنت أعلم به منّي. قال: فإني أحببت أن اُكرمك ، فما أحب إليك عشرة آلاف دينار أم بشرى لك بشرف الأبد ؟

قالت بشرى بولد لي : قال لها: أبشري بولد يملك الدّنيا شرقاً وغرباً ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً .

قالت : ممّن ؟ قال : ممّن خطبك رسول الله (ص) له ليلة كذا في شهر كذا من سنة كذا بالرومية.

قالت : من المسيح ووصيه ؟ قال لها : ممّن زوجك المسيح(ع) ووصيه ؟قالت : من ابنك أبي محمّد (ع) ؟ فقال: هل تعرفينه ؟

قالت : وهل خلت ليلة لم يرني فيها منذ الليلة التي أسلمت على يد سيّدة النساء صلوات الله عليها ؟ قال : فقال مولانا : ياكافور ادع اُختي حكيمة ، فلمّا دخلتْ قال لها : هاهي. فاعتنقتها طويلاً وسرّت بها كثيراً ، فقال لها أبوالحسن(ع) : يابنت رسول الله خذيها إلى منزلك وعلّميها الفرائض والسنن فإنّها زوجة أبي محمّد واُمّ القائم» [1] .

وروى الصدوق بسنده عن محمّد بن عبد الله الطهوي أنّه قال : قصدت حكيمة بنت محمّد (ع) بعد مضي أبي محمّد (ع) أسألها عن الحجّة وما قد اختلف فيه الناس من الحيرة التي هم فيها ، فقالت لي : اجلس فجلست ثم قالت : يامحمّد إن الله تبارك وتعالى لا يخلي الأرض من حجّة ناطقة أو صامتة، ولم يجعلها في أخوين بعد الحسن والحسين (ع) . تفضيلاً للحسن والحسين وتنزيهاً لهما أن يكون في الأرض عديلهما إلاّ أنّ الله تبارك وتعالى خصّ ولد الحسين بالفضل على ولد الحسن (ع) كما خصّ ولد هارون على ولد موسى(ع) وإن كان موسى حجة على هارون والفضل لولده إلى يوم القيامة . ولا بد للاُمة من حيرة يرتاب فيها المبطلون ويخلص فيها المحقّون كيلا يكون للخلق على الله حجّة ، إنّ الحيرة لا بدّ واقعة بعد مضيّ أبي محمّد الحسن (ع) .

فقلت : يامولاتي هل كان للحسن (ع) ولد ؟ فتبسّمت ثم قالت : إذا لم يكن للحسن (ع) عقب فمن الحجّة من بعده ؟ وقد أخبرتك أنّه لا إمامة لأخوين بعد الحسن والحسين (ع) .

فقلت : ياسيدتي حدّثيني بولادة مولاي وغيبته (ع). وفي هذا النصّ تشير حكيمة الى أنّ نرجس قد كانت جارية لها، وأنّ الإمام الحسن العسكري(ع) في زمن حياة أبيه الهادي(ع) يصرّح لعمّته بأنّ الله سيخرج منها ولداً كريماً على الله عزّ وجلّ فيملأ به الأرض قسطاً وعدلاً بعدما تملأ ظلماً وجوراً.

وهنا تبادر حكيمة فتستأذن الإمام الهادي(ع) لتهب هذه الجارية الى ابنه الحسن العسكري(ع) .

وهنا تقول حكيمة : فلبست ثيابي وأتيت منزل أبي الحسن (ع) فسلمت وجلست . فبدأنّي(ع) وقال : ياحكيمة إبعثي نرجس إلى ابني أبي محمّد . قالت : فقلت : ياسيدي على هذا قصدتك على أن أستأذنك في ذلك . فقال لي: يامباركة إن الله تبارك وتعالى أحبّ أن يشركك في الأجر ويجعل لك في الخير نصيباً .

قالت حكيمة : فلم ألبث أن رجعت إلى منزلي وزيّنتها ووهبتها لأبي محمّد(ع) وجمعت بينه وبينها في منزلي فأقام عندي أيّاماً ثم مضى الى والده(ع) ووجّهت بها معه [2] .

والمشتركات بين الخبرين أُمور عديدة ولا مانع من أن تكون هذه الرواية قد أهملت كثيراً من التفاصيل التي جاءت في الرواية الأُولى.

وهناك روايات اُخرى كلها تصرّح بوجود دور مهم لحكيمة عمّة الإمام الحسن (ع) في ولادة الإمام المهدي المنتظر (ع) .

المصادر:

[1] الغيبة ، للطوسي : 208 ـ 214.

[2] كمال الدين : 426 ـ427 .