Logo Logo
فاطمة (س) الممتحنة
فاطمة (س) الممتحنة

فاطمة (س) الممتحنة

فاطمة (س) الممتحنة

وشاء الله سبحانه وتعالى أن تشهد فاطمة فترة صراع الدعوة في مكّة ، وتشهد محنة أبيها(ص) ، فترى الأذى والاضطهاد يقع عليه ، وتشهد جوّ مكّة المعادي لبيت النبوّة ، بيت الهدى والإيمان والفضيلة ، وتشاهد أباها والصفوة المؤمنة من دعاة الإسلام والسابقين بالإيمان يخوضون ملحمة البطولة والجهاد ، فيؤثّر هذا الجوّ الجهادي في نفسها ، ويساهم في تكوين شخصيّتها وإعدادها لحياة التحمّل والمعاناة ، لقد عايشت فاطمة كلّ ذلك وهي بعد لم تزل في دور الطفولة، لقد عايشت المحنة الأشد مع أبيها، بعد فقد اُمها ، الرمز المواسي والأنيس والحبيب الذي كان يخفّف عنها متاعب الحياة وآلام الاضطهاد، وبعد فقد الرسول(ص) عمّه أبا طالب حامي الدعوة والمدافع عن الرسالة الذي ما تجرأت قريش في حياته أن تؤذيه (ص) أو تنال منه شيئاً، إذ كان لها بالمرصاد[1]، هذه الحماية التي عبّر عنها رسول الله(ص) بعد فقده أبا طالب بقوله : « ما زالت قريش كاعة([2]) عنّي حتى مات أبوطالب»[3].

لقد صبّت قريش حقدها وأذاها على رسول الله (ص) في تلك الفترة العصيبة من عمر الدعوة ، وبكل ما تملك من وسائل الأذى والاستهزاء والسخرية ومحاولات الانتقاص من مكانة محمّد (ص) وشخصيته .

لقد تحمّل رسول الله (ص) من أجل دعوته وفي سبيل مبادئه ورسالته ما لم يتحمّله أحد من الأنبياء ، فقد بلغ الأمر بأحد سفهاء قريش أن يغترف غرفة من تراب الأرض ويقذفها في وجه رسول الله (ص) وعلى رأسه ، فيتحمّل رسول الله (ص) هذا الأذى ويعود إلى بيته صابراً محتسباً وقد لطخ التراب وجهه ورأسه، ويعود إلى بيته وفاطمة (س) تنظر إليه فترى ما لحق به من أذى قريش وتماديها في الصلف والغرور ، فيحزّ الألم في نفسها ويعظم عليها تجرؤ السفهاء والمغرورين من طغاة الجاهلية ومتكبّريها على رسول الله(ص) ثم تقوم لأبيها وتنفض التراب عنه وتأتي بالماء وتغسل رأسه ووجهه الكريم .


ولم يمرّ هذا المشهد المؤلم دون أن يؤثّر في نفسها (س) فيستبدّ بها الحزن والألم على القائد رسول الله أبيها (ص) فتبكي وتتألّم لجرأة هؤلاء الجاهلين الطغاة على رجل يريد أن يخرجهم من الظلمات إلى النور ويهديهم سبيل الهدى والرشاد ، ويؤثّر موقف فاطمة في نفس أبيها (ص) ويشعر بحرارة الألم تمسّ قلبها ، فيحاول (ص) أن يخفّف عنها ويحثّها على التجلّد والتحمّل ، فيمدّ يديه الكريمتين ويضعهما على رأسها فيمسّه برقّة وحنان وهو يقول لها : « لا تبكي يا بنية فإنّ الله مانع أباك ، وناصره على أعداء دينه ورسالته»[4].

بهذه الكلمات الجهادية المربّية يحاول رسول الله (ص) أن يزرع في نفس فاطمة (س) روحاً جهادية عالية ، ويملأ نفسها وقلبها بالصبر والثقة بالنصر.

ولم تنته هذه المشاهد المثيرة المؤلمة ولم يقف أذى قريش واستخفافها برسول الله (ص) ودعوة الحقّ والهدى والتحرير إلى هذا الحدّ ، بل راحت تتمادى في غيّها وتصرّ على عنتها وكبريائها ، فقد روي عن عبدالله بن مسعود أنّه قال : ما رأيت رسول الله (ص) دعا على قريش غير يوم واحد، فإنّه كان يصلّي ورهط من قريش جلوس ، وسلى[5] جزور قريب منه ، فقالوا: من يأخذ هذا السلى فيلقيه على ظهره ، فقام رجل ـ وهو عقبة بن أبي معيط ـ وألقاه على ظهره فلم يزل ساجداً حتى جاءت فاطمة (س) فأخذته عن ظهره فقال (ص) : « اللهمّ عليك الملأ من قريش ، اللهمّ عليك بعتبة بن ربيعة ، اللهمّ عليك بشيبة بن ربيعة، اللهمّ عليك بأبي جهل بن هشام، اللهمّ عليك بعقبة بن أبي معيط، اللهمّ عليك باُبي بن خلف واُمية بن خلف ».

قال عبدالله بن مسعود : فلقد رأيتهم قتلوا يوم بدر جميعاً ثم سحبوا إلى القليب[6] غير أُبي بن خلف أو اُمية فإنّه كان رجلاً ضخماً فتقطع[7].


المصادر:


[1] تاريخ الطبري 2: 80 .

[2] الكاعة: جمع كاع، وهو الجبان. لسان العرب 8: 312 (مادة كع).

[3] إعلام الورى بأعلام الهدى 1: 53 .

[4] السيرة النبوية لابن هشام 2: 283 .

[5] السلى : الجلد الرقيق الذي يخرج فيه ولد الماشية من بطن اُمه ملفوفاً فيه .

[6] القليب : البئر .

[7] ذخائر العقبى: 47 .