Logo Logo
الزهراء(س) قبل فتح مكّة
الزهراء(س) قبل فتح مكّة

الزهراء(س) قبل فتح مكّة

الزهراء(س) قبل فتح مكّة :

منذ أن دخل رسول الله (ص) المدينة المنورة كان دائباً على هدم أركان الجاهلية واستئصال جذورها وضرب مواقعها ، فكانت حياته في المدينة المنوّرة كما كانت في مكّة حياة جهاد وبناء، جهاد المشركين والمنافقين واليهود والصليبيين ، وبناء الدولة الإسلامية العظيمة ، ونشر الدعوة وتبليغها في كلّ بقعة يمكن لصوت التوحيد أن يصل إليها، فراح رسول الله (ص) يحارب بالكلمة والعقيدة تارةً ، وبالسيف والقوة تارةً اُخرى ، وبالاُسلوب الذي يمليه الهدى وتفرضه الحكمة .

وهكذا جاهد رسول الله (ص) وقاتل في مرحلة حرجة صعبة ، لم يكن يملك فيها من المال والجيوش والاستعدادات العسكرية ما يعادل أو يقارب جيوش الأحزاب وقوى البغي والضلال، التي تصدّت لدعوة الحقّ والهدى ، بل كانت كلّ قوّته تتلخّص في إيمانه وثقته بربّه واستظهاره بالفئة المخلصة من أصحابه.

والذي يقرأ تاريخ الدعوة الإسلامية وجهاد رسول الله (ص) ويلاحظ مواقف صبره وصموده; يعرف عظمة هذا الإنسان المبدئي ، ويدرك قوّة عزيمته ومدى صبره ومستوى رعاية الله ونصره له ولاُولئك المجاهدين الذين حملوا راية الجهاد بين يديه، فيكتشف مصدر النصر والقوة لهذا الدين وهذه الرسالة الخاتمة.

ولقد مرّت فاطمة بهذه الفترة الجهادية الصعبة التي كانت تعي كامل ظروفها وأبعادها وهي تعيش في كنف زوجها وأبيها، تعيشها بروحها الصابرة ومشاعرها الرقيقة، وبجهادها في بيتها الجديد، الذي تواسي فيه زوجها وتشارك أباها الشدائد والمحن، فقد شهدت جهاد أبيها وهي تتأسى بصبره واحتماله ، لقد شاهدته وهو يُجرح في ( اُحد ) وتُكسر رباعيته ، ويخذله المنافقون ، ويستشهد عمّ أبيها حمزة أسد الله وأسد رسوله كما تستشهد النخبة من المؤمنين معه .

لقد روي أنّ فاطمة (س) لما انتهت مع صفيّة إلى رسول الله (ص) ـ بعد معركة اُحد ـ ونظرتا إليه قال (ص) لعلي (ع) : « أمّا عمّتي فاحبسها عنّي وأمّا فاطمة فدعها» فلمّا دنت فاطمة (س) من رسول الله (ص) ورأته قد شُجّ وجهه واُدمي فوه ، صاحت وجعلت تمسح الدم وتقول : «اشتد غضب الله على مَنْ أدمى وجه رسول الله(ص)»، وكان (ص) يتناول بيده ما يسيل من الدم فيرميه في الهواء فلا يتراجع منه شيء[1].

وكانت فاطمة (س) تحاول تضميد جرح رسول الله (ص) وقطع الدم الذي كان ينزف من جسده الشريف ، فكان زوجها يصبّ الماء على جرح رسول الله (ص) وهي تغسله ، ولمّا يئست من انقطاع الدم أخذت قطعة حصير وأحرقتها حتى صار رماداً فذرّته على الجرح حتى انقطع دمه[2].

ويحدّثنا التأريخ عن مشاركة فاطمة (س) بإخلاص بروحها ومشاعرها لأبيها في كفاحه وصبره وجهاده في أكثر من موقع وحدث.

فقد روي أنّ رسول الله (ص) قدم من غزاة له ، فدخل المسجد فصلّى فيه ركعتين ، ثم بدأ ـ كعادته ـ ببيت فاطمة قبل بيوت نسائه، وقد جاءها ليزورها ويسرّ بلقائها ، فرأت على وجهه آثار التعب والإجهاد ، فتألّمت لما رأت وبكت فسألها النبيّ (ص) : « ما يبكيك يا فاطمة؟ فقالت : أراك قد شحب لونك فقال(ص) لها : يا فاطمة إنّ الله ـ عزّوجلّ ـ بعث أباكِ بأمر لم يبق على ظهر الأرض بيت مدر ولا شعر إلاّ دخله به عزّاً أو ذلاً يبلغ حيث يبلغ الليل»[3].

وليست هذه العاطفة وتلك العناية والمشاركة مع الأب القائد والرسول الأعظم (ص) من ابنته فاطمة (س) هي كلّ ما كانت تقدّمه لأبيها من إيثارها له واهتمامها به ومشاركتها له في شدّته وعسرته ، إنّها جاءت يوم الخندق ورسول الله(ص) منهمك مع أصحابه في حفر الخندق لتحصين المدينة وحماية الإسلام، جاءته وهي تحمل كسرة خبز فرفعتها إليه فقال (ص) : « ما هذه يا فاطمة ؟ » قالت : « من قرص اختبزته لابنيّ ، جئتك منه بهذه الكسرة فقال(ص): يا بنيّة أما إنّها لأول طعام دخل في فم أبيك منذ ثلاث »[4].

هذه صورة مشرقة لجهاد المرأة المسلمة تصنعها فاطمة في ظلال رسول الله(ص)، حين تشارك بكلّ ما لديها لتشدّ أزر الإسلام وتكافح جنباً إلى جنب مع أبيها وزوجها وأبنائها وذويها في ساحة واحدة وخندق واحد، لتدوّنَ في صحائف التأريخ درساً عملياً تتلقاه الأجيال من هذه الاُمّة المسلمة ، فتتعلّم حياة الإيمان التي تصنعها عقيدة التوحيد بعيدة عن اللهو والعبث والضياع .

المصادر:

[1] إعلام الورى بأعلام الهدى 1: 179 .

[2] مجمع البيان للطبرسي 2: 417 .

[3] حلية الأولياء 2: 30 .

[4] ذخائر العقبى: 47 .