Logo Logo
الإمام الصادق (ع) وذكاؤه
الإمام الصادق (ع) وذكاؤه

الإمام الصادق (ع) وذكاؤه

ذكاؤه :

كان الإمام الصادق (ع) في سنه المبكر آيةً من آيات الذكاء، فلم يجاريه أحدٌ بمثل سنه على امتداد التاريخ بهذه الظاهرة التي تدعو إلى الإعجاب والإكبار، والتي كان منها أنه كان يحضر دروس أبيه وهو صبيٌّ يافعٌ لم يتجاوز عمره الثلاث سنين، وقد فاق بتلقيه لدروس أبيه جميع تلاميذه من كبار العلماء والرواة. ومن الجدير بالذكر أنّ دروس أبيه وبحوثه لم تقتصر على الفقه والحديث، وتفسير القرآن الكريم، وإنّما شملت جميع أنواع العلوم، وقد ألمَّ بها الإمام الصادق (ع) أحسن إلمام. ويدل على ذلك ما نقله الرواة من أنّ الوليد بن عبد الملك أمر عامله على يثرب عمر بن عبد العزيز بتوسعة المسجد النبوي، فأنجز عمر قسماً كبيراً منه، وأعلمه بذلك، وسافر الوليد إلى المدينة ليطّلع بنفسه على ما  أنجزه عمر من أعمال التعمير والتوسيع، وقد استقبله عمر من مسافة خمسين فرسخاً، وأعدَّ له استقبالا رسمياً، وخرجت أهالي يثرب بجميع طبقاتها لاستقباله والترحيب به، وبعدما انتهى إلى يثرب دخل إلى الجامع النبوي ليشاهد ما أنجر من أعمال التعمير، وقد رأى الإمام الباقر (ع) على المنبر، وهو يلقي محاضرة على تلاميذه فسلم عليه، فرد الإمام السلام عليه، وتوقف عن التدريس تكريماً له، فأصرّ عليه الوليد أن يستمرّ في تدريسه، فأجابه إلى ذلك، وكان موضوع الدرس (الجغرافيا) فاستمع الوليد، وبهر من ذلك، فسأل الإمام: ما هذا العلم؟.

فأجابه الإمام: «إنّه علمٌ يتحدث عن الأرض والسّماء، والشمس والنجوم».

وقع نظر الوليد على الإمام الصادق، فسأل عمر بن عبد العزيز: من يكون هذا الصبيُّ بين الرجال؟

فبادر عمر قائلا: إنه جعفر بن محمّد الباقر...

وأسرع الوليد قائلا: هل هو قادرٌ على فهم الدرس واستيعابه؟.

فعرفه عمر بما يملكه الصبيُّ من قدرات علمية، قائلا: إنه أذكى من يحضر درس الإمام وأكثرهم سؤالا ونقاشاً.

وبهر الوليد، فاستدعاه، فلما مثل أمامه بادر قائلا: «ما اسمك؟».

وأجابه الصبيُّ بطلاقة قائلا: «اسمي جعفر..».

وأراد الوليد امتحانه، فقال له: «أتعلم من كان صاحب المنطق ـ أي مؤسسه ـ ؟».

فأجابه الصبيُّ: «كان أرسطو ملقَّباً بصاحب المنطق، لقّبه إياه تلامذته، وأتباعه».

ووجَّه الوليد إليه سؤالا ثانياً قائلا: «من صاحب المعز؟».

فأنكر عليه الإمام وقال: «ليس هذا اسماً لأحد، ولكنه اسمٌ لمجموعة من النجوم، وتسمى ذو الأعنة...»[1].

واستولت الحيرة والذهول على الوليد، فلم يدرِ ما يقول، وتأمّل كثيراً ليستحضر مسألةً اُخرى يسأل بها سليل النبوة، وحضر في ذهنه السؤال الآتي فقال له: «هل تعلم من صاحب السواك؟».

فأجابه الإمام فوراً: «هو لقب عبد الله بن مسعود صاحب جدّي رسول الله(ص)».

ولم يستحضر الوليد مسألة يسأل بها الإمام، ووجد نفسه عاجزاً أمام هذا العملاق العظيم، فراح يبدي إكباره وإعجابه بالإمام، ويرحب به، وأمسك بيده، ودنا من الإمام الباقر (ع)، يهنئه بولده قائلا: إنّ ولدك هذا سيكون علاّمة عصره...[2].

وصدق توسم الوليد، فقد أصبح الإمام الصادق (ع) أعلم علماء عصره على الإطلاق، بل أعلم علماء الدنيا على إمتداد التاريخ، وليس هناك تعليلٌ مقنعٌ لهذه الظاهرة التي إتّصف بها سليل النبوة في حال طفولته، إلاَّ القول بما تذهب إليه الشيعة من أنّ الله تعالى منح أئمة أهل البيت (ع) العلم والحكمة في جميع أدوار حياتهم كما منح أنبياءه ورسله.


المصادر:

[1] هذه المجموعة من النجوم تسمى في اصطلاح العلم الحديث «أوريكا» أو «أريجا».

[2] الإمام الصادق كما عرفه علماء الغرب: 108 ـ 112.