Logo Logo
خصائص ومميزات مدرسة الإمام الصادق(ع)
خصائص ومميزات مدرسة الإمام الصادق(ع)

خصائص ومميزات مدرسة الإمام الصادق(ع)

خصائص ومميزات مدرسة الإمام الصادق(ع)

ومن خصائص ومميزات مدرسة الإمام الصادق(ع) واختلافها عن باقي المدارس ما يلي:1 ـ أنّها لم تنغلق في المعرفة على خصوص العناصر الموالية فحسب، وإنّما انفتحت لتضمّ طلاّب العلم من مختلف الاتّجاهات.

فهذا أبو حنيفة الذي كان يخالف منهج الإمام (ع) حيث سلك في القياس مسلكاً استوجب شدّة الإنكار عليه[1] وعلى أصحابه وهو الذي أطلق على مؤمن الطاق  اسم شيطان الطاق كان ممّن يختلف إلى الإمام الصادق(ع)، ويسأله عن كثير من المسائل، وقد روى عن الإمام الصادق(ع) وحدّث عنه واتّصل به في المدينة مدّة من الزمن، وناصر زيد ابن عليّ وساهم في الدعوة الى الخروج معه وكان يقول ضاهى خروج زيد خروج رسول الله(ص) يوم بدر[2].

2 ـ انفتحت مدرسة الإمام (ع) على مختلف فروع المعرفة الإسلامية والإنسانية، فاهتمّت بالقرآن والسنة والفقه والتاريخ والاُصول والعقيدة والكلام والفلسفة الإسلامية، كما اهتمّت بعلوم اُخرى مثل علم الفلك، والطبّ، والحيوان، والنبات، والكيمياء ، والفيزياء .

3 ـ لم تتّخذ مدرسة الإمام سلام الله عليه طابع الإنتماء الى الدولة الاُموية أو العبّاسية، ولم تتلوّث بسياسة الحاكمين، ولم تكن أداة لخدمة الحكّام، بل رأت الاُمة أنّ هذه المدرسة هي التي تحقّق لها تطلّعاتها; إذ كانت ترى على رأسها وريث النبوة وعملاق الفكر المحمّديّ الإمام أباعبدالله الصادق (ع) المعروف بمواقفه واستقامته، حتى لُقّب بالصادق لسموّ أخلاقه وعدم مساومته وخضوعه لسياسة الحكّام المنحرفين .

من هنا شكّلت مدرسته حصناً سياسياً وفكريّاً يلوذ به طلاّب الحقيقة ومَن كان يشعر بالمسؤولية ويريد التخلّص من التّيه الذي خلّفته التيارات الفكرية والسياسية المتضاربة في أهدافها ومساراتها .

4 ـ وتميّزت أيضاً جامعة الإمام الصادق (ع) بمنهجها السليم وعمقها الفكريّ ولم تكن اُطروحتها في الإعداد العلميّ مبتنيةً على حشو الذهن ، وإنّما كانت تعتمد الفكر والتعمّق والأصالة، ونموّ الكفاءات العلمية، وتعتبرها اُسساً مهمّة في المنهج العلمي والتربوي .

5 ـ انتجت هذه الجامعة رموزاً للعلم والتقوى والاستقامة، وعرفت بالعطاء العلميّ والدينيّ للاُمة، وبما أبدعته في تخصّصاتها العلمية، وما حققته من إنجازات على صعيد الدعوة والإصلاح بين الناس ، وأصبح الانتساب الى مدرسة الإمام (ع) مفخرةً للمنتسب، كما ناهز عدد طلاّبها الأربعة آلاف طالب.

6 ـ واتّسعت هذه المدرسة فيما بعد، وشكّلت عدّة فروع لها في الكوفة والبصرة، وقم، ومصر.

7 ـ إنّ الإمام (ع) لم يجعل من جامعته العلمية والجهد المبذول فيها نشاطاً منفصلاً عن حركته التغييرية وأنشطته الاُخرى، بل كانت جزءاً من برنامجه الإصلاحي ، لأنها كانت تساهم بحقٍّ في خلق المُناخ المناسب لبناء الفرد الصالح، وكانت إمتداداً واعياً ومؤثّراً في المسيرة العامّة للاُمّة فضلاً عن النتائج السياسية الإيجابية الخاصّة حيث نجد الكادر العلميّ الحاضر في مدرسة الإمام (ع) هو نفسه الذي يحضر في نشاطات الإمام الخاصّة .

8 ـ تميّزت مدرسة الإمام الصادق (ع) بالارتباط المباشر بمصدَرَي التشريع والمعرفة وهما (الكتاب الكريم والسنّة النبوية الشريفة) بنحو لا مثيل له.

ومن هنا حرص الإمام الصادق (ع) على أن يحقّق من خلال مدرسته إنجازاً بخصوص تدوين الحديث والحفاظ على مضمونه، بعد أن كان الحديث قد تعرّض في وقت سابق للضّياع والتحريف والتوظيف السياسيّ المنحرف ، بسبب المنع من تدوينه. ولم يستجب الأئمّة المعصومون(ع) لقرار المنع بالرُّغم من كلّ الشعارات التي رفعت لتجعل الهدف من حظر تدوين الحديث هو الحفاظ على القرآن وسلامته من التحريف .

بينما  كان الهدف البعيد من منع تدوين الحديث هو تغييب الحديث النبوي الذي كان يؤكّد ربط الاُمّة بأهل البيت (ع)، فاستهدف الحكّام صرف الناس عن أهل البيت (ع); لأنّ الحديث حين كان يؤكّد الارتباط بهم، كان يحول بينهم وبين الإنسياق وراء كلّ ناعق سياسيٍّ أو حاكم جائر.

يقول الإمام الصادق (ع) : «... أما والله إنّ عندنا ما لا نحتاج الى أحد والناس يحتاجون إلينا . إن عندنا الكتاب بإملاء رسول الله (ص)، وخطَّه عليٌّ بيده صحيفةً طولها سبعون ذراعاً فيها كلّ حلال وحرام»[3].

وجاء عنه (ع) أنه قال : « علمنا غابرٌ، ومزبورٌ ونكت في القلوب ونقر في الأسماع وأن عندنا الجفر الأحمر، والجفر الأبيض، ومصحف فاطمة ((عليها السلام)) وأنّ عندنا الجامعة فيها جميع ما يحتاج الناس إليه»[4].

9 ـ وتميزت أيضاً مدرسة الإمام (ع) بالاهتمام بالتدوين بشكل عامٍّ بل ومدارسة العلم لإنمائه وإثرائه .

فكان (ع) يأمر طلاّبه بالكتابة ويؤكد لهم ضرورة التدوين والكتابة، كما تجد ذلك في قوله (ع) : « إحتفظوا بكتبكم فإنكم سوف تحتاجون إليها»[5].

وكان يَشيدُ بنشاط زرارة الحديثيّ إذ كان يقول : «رحم الله زرارة بن أعين لولا زرارة لاندرست أحاديث أبي»[6].

وقال فيه وفي جماعة من أصحابه منهم أبو بصير، ومحمّد بن مسلم، وبُريد العجلي: «لولا هؤلاء ما كان أحدٌ يستنبط هذا الفقه، هؤلاء حفّاظ الدين واُمناء أبي(ع) على حلاله وحرامه وهم السابقون إلينا في الدنيا والآخرة»[7].

وكان يأمر طلاّبه أيضاً بالتدارس والمباحثة، فقد قال للمفضّل بن عمر : «أكتب وبث علمك في إخوانك ، فإنْ متّ فأورث كتبك بنيك، فإنه يأتي على الناس زمان هرج لايأنسون فيه إلاّ بكتبهم»[8].

وعلى هذا الأساس اهتمّ أصحابه بكتابة الأحاديث وتدوينها حتى تألّفت واجتمعت الاُصول الأربعمائة المعروفة[9]، والتي شكّلت المجاميع الحديثية الاُولى عند الشيعة الإمامية .

10 ـ وممّا تميزّت به مدرسة الإمام الصادق(ع)، هو إنماء الفكر الإسلامي وتطويره من خلال التخصص العلميّ في مختلف فروع المعرفة الإسلامية، وسوف نشير الى هذه الميزة بالتفصيل .


المصادر:

[1] راجع الفقرة ج (طرح المنهج الصحيح لفهم الشريعة) التابعة للمحور الثقافي والفكري صفحة (117) .

[2] حياة الإمام محمّد الباقر : 1 / 75 .

[3] بصائر الدرجات: 149.

[4] الإرشاد: 2/186 .

[5] الكافي : 1 / 52 .

[6] اختيار معرفة الرجال، الطوسي: 1/348.

[7] وسائل الشيعة : 8 / 57 ـ 59 .

[8] اُصول الكافي : 1 / 52 .

[9] وسائل الشيعة : 18 / 57 ـ 59 .