Logo Logo
البعثة النبوية المباركة وإرهاصاتها
البعثة النبوية المباركة وإرهاصاتها

البعثة النبوية المباركة وإرهاصاتها

البعثة النبوية المباركة وإرهاصاتها

تمثل نصوص القرآن الكريم أقدم النصوص التاريخية التي تتمتع بالصحة والدقة والمعاصرة لأحداث عصر الرسالة الإسلامية، والمنهج العلمي يفرض علينا أن لا نتجاوز نصوص القرآن الكريم فيما يخص عصر النبيّ  (ص) الذي نزلت فيه الآيات حين بعثته واستمرت بالنزول حتى وفاته.

وإذا عرفنا أن الروايات التاريخية المتمثلة في كتب الحديث والسيرة قد تأخّر تدوينها عن عصر وقوع الحوادث أوّلاً، كما أ نّها قريبة من الدس وتطرق التزوير إليها ثانياً; كان من الطبيعي والمنطقي أن نعرضها على محكمات الكتاب والسنة والعقل لنأخذ ما يوافقها ونرفض ما يخالفها.

وينبغي أن لا يغيب عنا أن النبوة سفارة ربّانية ومهمة إلهية تتعيّن من قبله سبحانه وتعالى لغرض رفد البشرية بالهداية اللازمة لها على مدى الحياة. وأن الله إنما يصطفي من عباده مَن يتمتّع بخصائص فذة تجعله قادراً على أداء المهامّ الكبرى المرادة منه وتحقيقها بالنحو اللائق.

إذن لابدّ أن يكون المرسَل من قبله تعالى مستوعباً للرسالة وأهدافها وقادراً على أداء الدور المطلوب منه على مستوى التلقيّ والتبليغ والتبيين والتطبيق والدفاع والصيانة . وكل هذه المستويات من المسؤولية تتطلب العلم والبصيرة (المعرفة ) وسلامة النفس وصلاح الضمير والصبر والإستقامة والشجاعة والحلم والإنابة والعبوديّة لله والخشية منه والإخلاص له والعصمة (التسديد الرباني ) على طول الخط.

ولم يكن خاتم المرسلين بدعاً من الرسل بل هو أكملهم وأعظمهم فهو أجمع لصفات كمالهم والله أعلم حيث يجعل رسالته.

ومن أبده القضايا ومن مقتضيات طبائع الأشياء أن يكون المرشَّح لمهمّة ربانيّة كبرى على استعداد تام لتقبّلها وتنفيذها قبل أن يتولّى تلك المهمة أو يرشّح لأدائها. إذن لابد للنبي الخاتم أن يكون قد أحرز كل متطلّبات حمل هذه المسؤولية الإلهية وتوفّر على كل الخصائص اللازمة لتحقيق هذه المهمة الربانية قبل البعثة المباركة. وهذا هو الّذي تؤيده نصوص القرآن الكريم.

1 ـ قال تعالى:
(كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[1].

2 ـ وقال أيضاً:
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِم مِنْ أَهْلِ الْقُرَى )[2].

3 ـ وقال أيضاً:
(وَمَا أَرْسَلْنَا  مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُول إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَ نَّهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ )[3].

4 ـ وقال أيضاً:
(وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ)[4].

إذن مصدر الوحي هو الله العزيز الحكيم. والمرسَلون رجالٌ يُوحي اليهم الله سبحانه معالم توحيده وعبادته ويجعلهم أ ئمةً يهدون بأمره كما يوحي إليهم تفاصيل الشريعة من فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وهم القدوة لغيرهم في العبادة والتجسيد الحي للاسلام الحقيقي لله سبحانه.

وفيما يخص خاتم النبيين يقول سبحانه وتعالى :

1 ـ
( وَكَذلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ  يَوْمَ الْجَمْعِ لاَ رَيْبَ فِيهِ...)[5].

2 ـ
(شَرَعَ لَكُم مِنَ  الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا  بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ*... فَلِذلِكَ  فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ  آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَاب وَأُمِرْتُ لاَِعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ)[6].

3 ـ
(اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَـبَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ)[7].

4 ـ
(أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِن يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ  الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)[8].

5 ـ
(وَمَا كَانَ لِبَشَر أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَاب أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ* وَكَذلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاط مُّسْتَقِيم)[9] .

إنّ الذين عاصروا الرسول الكريم قبل بعثته وحتى وفاته لم يقدّموا لنا تصويراً صحيحاً وواضحاً عن الرسول قبل بعثته بل وحين البعثة. ولعلّ أقدم النصوص وأتقنها هو ما جاء عن ربيب الرسول وابن عمه ووصيّه الذي لم يفارقه قبل بعثته وعاشره طيلة حياته، إلى جانب أمانته في النقل ودقته في تصوير هذه الشخصية الفذة. فقد قال عن الفترة التي سبقت البعثة النبوية وهو يتحدّث عن الرسول (ص):

«ولقد قرن الله به (ص) من لدن أن كان فطيماً اعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم. ليله ونهاره. ولقد كنت أ تّبعه اتّباع الفصيل أ ثَر اُمّه. يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً. وقد كان يُجَاور في كلِّ سَنَة بحراء فأراه ولا يراه غيري»
[10].

ويتوافق هذا النص مع قوله تعالى: (وإنك لعلى خلق عظيم)
[11]. فقد نزل هذا النص في بداية البعثة. والخُلق ملكة نفسية متجذرة في النفس لا تستحدث خلال أيام، فوصفه بعظمة خُلُقه يكشف.

المصادر:

[1] الشورى  (42): 3.

[2] يوسف  (12) : 109.

[3] الأنبياء (21) : 25.

[4] الأنبياء (21): 73.

[5] الشورى (42): 7 .

[6] الشورى (42): 13 ـ 15.

[7] الشورى (42): 17 .

[8] الشورى (42): 24.

[9] الشورى (42): 51 ـ 52.

[10] نهج البلاغة: 311 /ضمن الخطبة 192 (الخطبة القاصعة).

[11] القلم (68) : 4 .