Logo Logo
الحسين (عليه السلام) قرآن ناطق (القسم الثاني)
الحسين (عليه السلام) قرآن ناطق (القسم الثاني)

الحسين (عليه السلام) قرآن ناطق (القسم الثاني)

ولما تناهى إليه وهو في طريقه الى الكوفة خبر مقتل سفيره قيس بن مسهّر الصيداوي، تلا الآية الشريفة: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيل﴾([10])، وأثنى على وفاته، وترحّم عليه.

وردّد نفس هذه الآية عندما تناهى إلى سمعه مصرع مسلم بن عوسجة، فمشى إليه ومعه حبيب بن مظاهر، فقال له الإمام (عليه السلام): «رحمك اللّه يا مسلم »، ثم قرأ: ﴿فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيل﴾([11]).

وعن الضحّاك بن عبداللّه المشرقي، قال: «فلمّا أمسى حُسين وأصحابه قاموا الليل كلّه يصلّون ويستغفرون ويدعون ويتضرّعون، قال: فتمرّ بنا خيل لهم تحرسنا، وإنّ حسينا ليقرأ: ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ مَا كَانَ اللّه لِيَذَرَ المُؤْمِنِيْنَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَى يَمِيْزَ الْخَبِيْثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾([12]). فسمعها رجل من تلك الخيل التي كانت تحرسنا، فقال: نحن وربّ الكعبة الطيّبون، مُيِّزْنا منكم. قال: فعرفته فقلت لبُرير بن خُضَير: تدري من هذا؟ قال: لا، قلت: هذا أبو حرب السَّبيعي عبداللّه بن شهر، وكان مُضحاكا بطّالاً... فقال له بُرير بن خُضَير: يا فاسق، أنت يجعلك اللّه في الطيّبين!»([13]). يبدو أنّ الحسين (عليه السلام) كان يتعمّد رفع صوته عند قراءة القرآن بغية التأثير في نفوس الأعداء، ولكنّ المطامع قد سدّت منافذ السمع لديهم.

ولما لمح الإمام ابنه علي الأكبر (عليه السلام) وهو يصول ويجول في الميدان، رفع شيبته نحو السماء قائلاً: ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾([14]).

وعندما دنا الجيش من معسكر الإمام، دعا الإمام براحلته فركبها، ونادى بأعلى صوته: «أيها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتى أعظكم بما يحق لكم عليّ وحتى أعذر إليكم، فإن أعطيتموني النصف كنتم بذلك أسعد، وإن لم تعطوني النصف من أنفسكم ﴿فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ﴾»([15])، ثم قرأ: ﴿إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِين﴾([16]).

وكان أصحابه كذلك يستشهدون بالقرآن، فمثلاً: «أنّ حنظلة بن أسعد الشبامي قام بين يدي الإمام ونادى بأعلى صوته: يا قوم ﴿إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوْحٍ وَعَادٍ وَثَمُوْدَ وَالَّذِيْنَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللّه يُرِيْدُ ظُلْما لِلْعِبَادِ وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التّنَاد يَوْمَ تُوَلُّوْنَ مُدْبِرِيْنَ مَا لَكُم مِنَ اللّه مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللّه فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾([17]) يا قوم لا تقتلوا حسيناً ﴿فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى﴾([18])، فقال الحسين: يا ابن أسعد رحمك اللّه، إنهم قد استوجبوا العذاب حيث ردّوا عليك ما دعوتهم إليه من الحق»([19]).

 أبعاد النهضة الحسينية، عباس الذهبي

المصادر

([1])سورة الأحزاب: 33 / 33.

([2])مقتل الخوارزمي 1: 185 / الفصل التاسع.

([3])سورة الأعراف: 7 / 150.

([4])سورة القصص: 28 / 21.

([5])سورة القصص: 28 / 22.

([6])سورة يونس: 10 / 41.

([7])قصر مقاتل: اسم أحد المنازل التي مرّ بها الإمام الحسين (عليه السلام) في مسيره من مكة الى كربلاء.

([8])سورة الكهف: 18 / 51.

([9])سورة غافر: 40 / 27.

([10])سورة الأحزاب: 33 / 23.

([11])سورة الأحزاب: 33 / 23.

([12])سورة آل عمران: 178، 179.

([13]) تاريخ الطبري 6: 226، حوادث سنة إحدى وستين.

([14]) سورة آل عمران: 3 / 33 ـ 34.

([15]) الإرشاد 2: 97، والآية من سورة يونس: 10 / 71.

([16]) سورة الأعراف: 7 / 196.

([17]) سورة غافر: 40 / 30 ـ 33.

([18]) سورة طه: 20 / 61.

([19]) اُنظر: تاريخ الطبري 6: 240، حوادث سنة إحدى وستّين، اللهوف: 65.