Logo Logo
نماذج من تفسير الإمام زين العابدين(ع)
نماذج من تفسير الإمام زين العابدين(ع)

نماذج من تفسير الإمام زين العابدين(ع)

نماذج من تفسير الإمام زين العابدين(ع) :

كان الإمام(ع) من ألمع المفسّرين للقرآن الكريم، وقد استشهد علماء التفسير بالكثير من روائع تفسيره، ويقول المؤرّخون: إنّه كان صاحب مدرسة لتفسير القرآن، وقد أخذ عنه ابنه الشهيد زيد في تفسيره للقرآن[1]كما أخذ عنه ابنه الإمام أبو جعفر محمّد الباقر(ع) الذي رواه عنه زياد بن المنذر[2] الزعيم الروحي للفرقة الجارودية. وهذه نماذج من تفسيره(ع) لكتاب الله العزيز.

1 ـ روى الإمام محمّد الباقر عن أبيه(ع)، في تفسير الآية الكريمة: (الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالْسَّمَاءَ بِنَاءً )
[3]، قال: جعلها ملائمةً لطباعكم، موافقةً لأجسادكم، ولم يجعلها شديدة الحمأ[4] والحرارة فتحرقكم، ولا شديدة البرودة فتجمدكم، ولا شديدة طيب الريح فتصدع هاماتكم، ولا شديدة النتن فتعطبكم[5]، ولا شديدة اللين كالماء فتغرقكم، ولا شديدة الصلابة فتمتنع عليكم في دوركم وأبنيتكم وقبور موتاكم، ولكنّه عزّوجلّ جعل فيها من المتانة[6] ما تنتفون به، وتتماسكون عليها أبدانكم وبنيانكم، وجعل فيها ما تنقاد به لدوركم وقبوركم وكثير من منافعكم، فلذلك جعل الأرض فراشاً لكم، ثمّ قال عزوجلّ: (وَالْسَّمَاءَ بِنَاءً ) أي سقفاً من فوقكم، محفوظاً يدير شمسها وقمرها ونجومها لمنافعكم، ثمّ قال عزوجلّ: (وَأَنْزَلَ مِنَ الْسَّمَاءِ مَاءً ) يعني المطر ينزله من عل ليبلغ قلل جبالكم وتلالكم وهضابكم وأوهادكم[7] ثم فرّقه رذاذاً ووابلاً وهطلاً[8] لتنشفه أرضوكم، ولم يجعل ذلك المطر نازلاً عليكم قطعة واحدة فيفسد أرضيكم وأشجاركم وزروعكم وثماركم، ثم قال عزوجلّ: (فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّـمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ )يعني ممّا يخرجه من الأرض رزقاً لكم (فَلاَ تَجْعَلُوا لِلّهِ أَنْدَاداً )أي أشباهاً وأمثالاً من الأصنام التي لا تعقل ولا تسمع ولا تبصر ولا تقدر على شيء (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) أنّها لا تقدر على شيء من هذه النعم الجليلة التي أنعمها عليكم ربّكم تبارك وتعالى[9].

وحوت هذه القطعة الذهبية من كلام الإمام زين العابدين(ع) أروع أدلة التوحيد وأوثقها، فقد أعطت صورة متكاملة مشرقة من خلق الله تعالى للأرض، فقد خلقها بالكيفية الرائعة التي ليست صلبة ولا شديدة ليسهل على الإنسان العيش عليها، والانتفاع بخيراتها وثمراتها التي لا تحصى، فالأرض بما فيها من العجائب كالجبال والأودية والمعادن والبحار والأنهار وغير ذلك من أعظم الأدلة وأوثقها على وجود الخالق العظيم الحكيم.

كما استدل الإمام(ع) على عظمة الله تعالى بخلقه السماء وما فيها من الشمس والقمر وسائر الكواكب التي تزوّد هذه الأرض بأشعتها.

إنّ أشعّة الشمس لها الأثر البالغ في تكوين الحياة النباتية، كما أنّ أشعة القمر لها الأثر على البحار في مدّها وجزرها، وكذلك لأشعة سائر الكواكب، فإنّ الأثر التام في منح الحياة العامّة لجميع الموجودات الحيوانية والنباتية في الأرض، وهذه الظواهر الكونية التي لم تكتشف إلاّ في هذه العصور الحديثة، إلاّ أنّ الإمام (ع) ألمح إليها في كلامه، فكان حقّاً هو وآباؤه وأبناؤه المعصومون الرواد الأوائل الذين رفعوا راية العلم، وساهموا في تكوين الحضارة الإنسانية.

وأعطى الإمام(ع) صورة متميزة عن الأمطار، وأنّها تتساقط بصورة رتيبة وفي أوقات خاصة، وذلك لإحياء الأرض وإخراج ثمراتها، ولو دام المطر ونزل دفعة واحدة; لأَهلك الحرث والنسل.

وبعدما أقام الإمام الأدلّة المحسوسة على وجود الخالق الحكيم; دعا إلى عبادته وتوحيده ونبذ الأصنام والأنداد التي تدعو إلى انحطاط الفكر وجمود الوعي، لأنّها لا تضرّ ولا تنفع ولا تملك أيّ قدرة في إدارة هذا الكون وتصريف شؤونه.

2 ـ فسّر (ع) الآية الكريمة : (ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً )
[10] بقوله: «هو ولايتنا)»[11]. ولا شك أنّ ولايتهم(ع) هي السلم الحقيقي الذي ينعم الناس في ظلاله بالأمن والرخاء والاستقرار، ولو أنّ المسلمين كانوا قد دانوا بهذه الولاية بعد وفاة النبىّ(ص) لما داهمتهم الأزمات في حياتهم السياسية والاجتماعية.

3 ـ روى الإمام الصادق(ع) عن جدّه الإمام زين العابدين(ع) في تفسير قوله تعالى:(يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ  وَيَأْخُذُ الْصَّدَقَاتِ )
[12] أنّه قال: «ضمنت علىّ ربّي أنّ الصدقة لا تقع في يد العبد حتى تقع في يد الربّ»، وكان يقول: «ليس من شيء إلاّ وكّل به ملك، إلاّ الصدقة فإنّها تقع في يد الله تعالى»[13].

4 ـ سأل رجل الإمام زين العابدين(ع) عن الحقّ المعلوم الذي ورد في قوله تعالى: ( وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ* لِلسَّائِلِ وَالْمَـحْرُومِ)
[14]، فقال (ع): «الحقّ المعلوم الشيء الذي يخرجه من ماله ليس من الزكاة ولا من الصدقة المفروضتين»... فقال له الرجل: فما يصنع به؟ فقال(ع): «يصل به رحماً، ويقوّي به ضعيفاً، ويحمل به كلاً، أو يصل أخاً له في الله، أو لنائبة تنوبه» فقال الرجل: الله أعلم حيث يجعل رسالته[15].

5 ـ فسّر الإمام(ع) الآية الكريمة: (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ )
[16] بأنّه العفو من غير عتاب[17].

المصادر:


[1] حياة الإمام زين العابدين(ع) لقرشی: 2 / 32.

[2] الفهرست للشيخ الطوسي: 98.

[3] البقرة  (2) : 22.

[4] الحمأ: شدّة حرارة الشمس.

[5] تعطبكم: أي تهلككم.

[6] المتانة: ما صلب من الأرض وارتفع.

[7] الأوهاد: الأرض المنخفضة.

[8] الهطل: المطر الضعيف الدائم.

[9] عيون أخبار الرضا : 2 / 125 ـ 126 .

[10] البقرة (2) : 208.

[11] تفسير العياشي 1: 102.

[12] التوبة (9) : 105.

[13] تفسير الصافي 2: 372 ـ 373.

[14] المعارج  (70) : 24 و 25 .

[15] وسائل الشيعة  9: 49.

[16] الحجر (15) : 85 .

[17] وسائل الشيعة  12: 171.