Logo Logo
تحليلٌ حول مسيرة الأربعين المليونيّة
تحليلٌ حول مسيرة الأربعين المليونيّة

تحليلٌ حول مسيرة الأربعين المليونيّة

تحليلٌ حول مسيرة الأربعين المليونيّة

البكاء والأنين واللباس الأسود والراية السوداء ومراسم العزاء كانت من رموز عاشوراء منذ القدم، فيما أصبح في السنوات الأخيرة الزحف المليوني وزحف عشرات الملايين سيراً على الأقدام لزيارة الإمام الحسين عليه السلام رمزاً خالداً لهذه الحركة الإنسانية الربانية الّتي أطلقها الإمام الحسين عليه السلام، لإيصال نهضة عاشوراء إلى أسماع العالم والإعلان عالياً عن عزم هذه الملايين من الأحرار الطالبين للعدالة على تغيير موازين القوّة ودعوة جميع أحرار العالم للمبادرة إلى مكافحة الاستكبار وأمثال يزيد في العصر الحاضر، وتلبيةً لنداء:>هل من ناصرٍ ينصرني< الّذي أطلقه سيّد الشهداء وأبو الأحرار الحسين بن علي عليهما السلام.

فكيف يمكن تفسير هذا الحضور المليونيّ من النساء والرجال والشيوخ والشبّان والعلماء والعامة والأغنياء والفقراء من مختلف المذاهب والبلدان، وتحت رايةٍ واحدةٍ ولواءٍ واحدٍ سوى القول بأنّه العشق اللامحدود للإمام الحسين عليه السلام ولأهداف نهضة عاشوراء، وكيف يمكن تحليل هذه الظاهرة دون الغوص في القيم الإنسانيّة والعالميّة لهذه النهضة؟ لا شكّ أنّ من يريد تفسير هذه الواقعة طبقاً لأيّ منهجٍ وطريقةٍ ليس بوسعه أن يتجاهل عنصر الولاء للإمام الحسين عليه السلام والعشق لأهداف الإمام الحسين عليه السلام والتمسّك بما حملته نهضة عاشوراء من خطابٍ إنسانيٍّ وعالميٍّ.

ولـمّا كان أساس هذه الحركة دينياً فمِن غير المعلوم أيّ مسارٍ كانت ستطويه لو لم تُرصد تبعاتها الإيجابيّة والسلبيّة، وتعزّز أبعادها الإيجابيّة البنّاءة، وتُزال أضرارها وأبعادها السلبيّة، وهل ستبقى هذه الحركة في خدمة نهضة عاشوراء في المستقبل، وتقوم بنشر القيم الإنسانيّة الربّانية الكامنة في عاشوراء، أم أنّها تتحوّل إلى أداةٍ بين السياسيّين لتحقيق أهدافهم القريبة والبعيدة المدى، حتّى لو كانت على حساب أهداف الإمام الحسين عليه السلام وعلى النقيض منها؟

وهنا من الضروريّ أن نذكّر بعدّة ملاحظاتٍ:

1. إنّ التأمّل والتدبّر في رسالة عاشوراء يوصلنا إلى أنّ هذه النهضة ليست مذهبيّةً شيعيّةً بحتةً ولا دينيّةً صرفة، وإنّما هي نهضةٌ إنسانيّةٌ ربّانيّةٌ، وإنّ الإمام الحسين عليه السلام هو لكلّ المسلمين بل الأحرار في العالم؛ ولهذا يُفترض بالقائمين على شؤون هذه المسيرات المليونيّة وشؤون زوّار الحرم الحسينيّ الإنتباه إلى سياسة التفرقة الّتي يدسّها العدوّ والإمتناع عن الإساءة للمعتقدات الأخرى، والتوفّر على وعيٍ كافٍ بأنّ خطاب >هل من ناصرٍ ينصرني< الّذي أطلقه الحسين عليه السلام لكل الأحرار في العالم على اختلاف أديانهم ومذاهبهم.

2. إنّ النبيّ صلى الله عليه وآله استثمر الحجّ من أجل التبليغ للإسلا، ورصّ صفوف الأمّة وتوعيتها بشؤونها الدينيّة والدنيويّة، أمّا الآن حيث تخضع مكّة والمدينة لسلطة الوهّابيّة الّتي منعت الأمّة من استثمار موسم الحجّ لتلك الأهداف فإنّه لا بدّ من الانتفاع من التجمّع الحسينيّ الحاشد الّذي يتجاوز عشرات الملايين من البشر ووضع خططٍ ثقافيّةٍ وإعلاميّةٍ مناسبةٍ للتعريف بالإسلام النبويّ ورصّ صفوف المسلمين.

3. على مقلّدي مختلف المراجع العظام أن يعلموا بأنّ هذه الحركة والمسيرة المليونية إنّما هي لأجل الإمام الحسين عليه السلام ولا تتعلّق بهذا المرجع أو ذاك، وعليه ليس من الضرورة بمكانٍ رفع صور المراجع من قبل مقلّديهم وليس مهمّاً مَن مِن وكلاء المراجع يقيم الصلاة في الحرمين بكربلاء أو توزيع رسالة المرجع الفلانيّ أثناء المسيرة.

4. إنّ العاطفة نحو الحسين عليه السلام دون إحساسٍ وتعقلٍ قد تلحق ضرراً كبيراً، أمّا العقل مع العاطفة فهو أمرٌ بنّاءٌ يثمر عن نتائج مفيدةٍ جدّاً، وإنّ هذا التزاوج بين العقل والعاطفة يمنع النعرات العصبيّة والطائفيّة والعشائريّة الّتي تدمّر بنية المجتمع.

5. على المسؤولين السعي لإرساءِ الأمن الظاهريّ والاستقرار النفسيّ للزوّار وعدم التقصير في ذلك.

6. رغم أنّ الزائر يعلم بصعوبة الطريق والجهد الّذي يجب أن يبذله من أجل أن يحظى بالزيارة، كما أنّه يعلم بأنّ الأجر على قدر المشقّة، لكنّ هذا لا يبرّر للمسؤولين التقصير في تقديم الخدمات المناسبة للزائر خاصّةً في الشؤون الصحيّة والطبيّة.