Logo Logo
المشي لزيارة الأربعين في مسيرة العلماء وكلامهم
المشي لزيارة الأربعين في مسيرة العلماء وكلامهم

المشي لزيارة الأربعين في مسيرة العلماء وكلامهم

المشي لزيارة الأربعين في مسيرة العلماء وكلامهم

منذ القدم كان علماء الحوزة العلمية في النجف الأشرف وفضلاؤها يواكبون الناس وهي تمشي في أربعين الإمام الحسين عليه السلام من النجف إلى كربلاء؛ وهذه الشعيرة لم تكن تختص بالأربعين وحسب، وإنّما تُقام في أوّل رجب ونصفه والنصف من شعبان ويوم عرفة، أي في المناسبات الخاصة بزيارة الإمام الحسين عليه السلام؛ لكنها كانت أكثر عظمة وهيبة في ذكرى الأربعين، كما أنها لا تختص بالنجف وحدها، بل يتوجه الزوار إلى كربلاء من المدن الأخرى كالبصرة والناصرية والسماوة وبغداد والحلّة، ومن دول أخرى كإيران وباكستان والهند.

وتقام مراسم السير على الأقدام إمّا بشكلٍ فرديٍّ أو أُسَريٍّ أو جماعيٍّ، أو على شكل هيئاتٍ ومواكب عزاء، وللمسير إلى كربلاء من النجف هناك طريقان أحدهما صحراوي وجافٌّ تبلغ مسافته نحو سبعين كيلومتراً، والآخر يمر بمحاذاة نهر الفرات وتبلغ مسافته نحو مائة كيلومتراً، حيث يتخذ المشاة إلى زيارة الإمام الحسين عليه السلام هذا الطريق ويطوى في ثلاثة أيام.

وكان لعلماء الشيعة دور أساسي في التشجيع على الزيارة ـ خاصة في الأربعينـ والحثّ عليها والمبادرة إليها.

ويعتقد آية الله الميرزا جواد آقا الملكي التبريزيّ ـ مستنداً إلى حديث العلامات الخماسية للمؤمن ـ بأنَّ على المرء أن يجعل من العشرين من صفر (الأربعين) يوماً للحزن والعزاء ويسعى لزيارة الإمام الشهيد والحضور عند مرقده حتّى ولو مرة واحدة في عمره.
[1]

ويعتبر آية الله بهجت بأنّ السير على الأقدام في الأربعين أفضل فرصة لتعريف الإمام الحسين عليه السلام إلى العالم.[2]

ويرى آية الله الشبيري الزنجاني زيارة كربلاء مشياً على الأقدام نوعاً من أداء الاحترام والخضوع والخشوع ومن مصاديق تعظيم الشعائر.[3]

ويعتقد آية الله السيد علي السيستاني بأنّ الله تعالى حثَّ المؤمنين على زيارة المشاهد الشريفة لتبقى ذكراهم خالدةً ومنزلتهم ساميةً؛ ويوصي الزائرين بمراعاة ما يلي:مِن ضرورات هذه الزيارة أن تُذكر تضحيات الإمام الحسين عليه السلام في سبيل الله وتعاليم دينه الحنيف، ومنها الصلاة والحجاب والإصلاح والعفو والصبر والأدب وغيرها من المفاهيم الحميدة، وأن يقوم الزائر بمراعاتها لتصبح الزيارة خطوةً في مسير تربية النفس لتقبل هذه الأمور ويبقى أثرها حتّى الزيارة التالية، وإنّ المشاركة في هذه المراسم بمنزلة الحضور في المجالس التربوية للإمام عليه السلام.[4]

ويوصي آية الله الوحيد الخراساني الزائرين بأداء الزيارة نيابة عن المعصومين عليه السلام.[5]كما يعتقد آية الله الجوادي الآملي بأهميّة زيارة الأربعين وأنّها لا تنحصر بكونها من علامات الإيمان وإنّما في مصافِّ الصلوات الواجبة والمستحبّة ـ حسب ما ورد ـ وكما أنّ الصلاة عمود الدين والشريعة فإنّ زيارة الأربعين وإحياء واقعة كربلاء هي عمود الولاية، والمهمّ في ذلك أن نُدرك كيف تجعل الصلاةُ وزيارةُالأربعين من المرء مؤمناً.[6]

وشاعت في عصر مرجعية الشيخ مرتضى الأنصاري (1214- 1298هـ) شعائر المشي إلى الزيارة، لكنها تراجعت شيئاً فشيئاً بعده، حتّى أصبحت ممارسةً قليلة الأهميّة يؤدّيها الفقراء والمعوزون، حتّى جاء الميرزا حسين المحدّث النوري وأحياها من جديد كما يقول الشيخ آقابزرك الطهراني: فلمّا رأى شيخنا ضعف هذا الأمر اهتمّ له والتزمه فكان في خصوص زيارة عيد الأضحى يكتري بعض الدوابّ لحمل الأثقال والأمتعة ويمشي هو وصحبه، لكنّه ـ لضعف مزاجه ـ لا يستطيع قطع المسافة من النجف إلى كربلاء بمبيت ليلةٍ كما هو المرسوم عند أهله، بل يقضي في الطريقثلاث ليالٍ يبيت الأولى في (المصلى)، والثانية في (خان النصف)، والثالثة في (خان النخيلة)، فَيَصلُ كربلاء في الرابعة، ويكون مشيه كلّ يومٍ ربع الطريق؛ نصفه صبحاً ونصفه عصراً، ويستريح وسط الطريق لأداء الفريضة وتناول الغذاء في ظلال خيمةٍ يحملها معه، وفي السنة الثانية والثالثة زادت رغبة الناس والصلحاء بالأمر، وذهب ما كان في ذلك من الإهانة والذلّ إلى أن صار عدد الخيام في بعض السنين أكثر من ثلاثين خيمة.[7]

أمّا العلاّمة السيّد محسن الأمين فيقول: لم تفتني زيارته إلاّ نادراًـ والحمد لله ـ مدّة وجودي في النجف ـ وهي نحو عشرة سنواتٍ ونصف السنة ـ في الزيارات المخصوصة مثل عاشوراء والعيدين وعرفة والأربعين، وكنت قبل السفر أذهب إلى مَن لهم عليّ دَينٌ في السوق فأستحلّ منهم وكنت أشتهي أن أزوره راجلاً وأتهيّب ذلك، فجرّبته فهان عليّ واتّبعني على ذلك جماعةٌ من العامليّين والنجفيّين وغيرهم فزرت راجلاً غير مرّةٍ.[8]

كما أنّ آية الله الملكوتي شارك في هذه الشعائر المعنوية عدّة مرّات مع تلامذته في أغلب الأحيان وكان يطوي الطريق بين النجف وكربلاء الّذي يمتدّ على مسافة 12 فرسخاً في مدّة يومين أو ثلاثةٍ.[9]

ويقول حُجّة الإسلام السيّد علي أكبر محتشمي في مذكّراته: >...فضلاً عن عامة الناس، كان العلماء والفضلاء والطلاّب، وحتّى بعض المراجع أمثال آية الله الشاهرودي وغيره يذهبون إلى كربلاء جماعاتٍ وزرافاتٍ، وكان لحوزةِ النجف عدّةُ قوافل رسميّةٍ معروفةٍ وكبيرةٍ، تشمل ما بين أربعين إلى خمسين عضواً ثابتاً تُضاف إليهم في كلّ مرّةٍ أعدادٌ أخرى، وكانت بعض هذه القوافل ترتبط ببيوت المراجع أو المدارس في النجف، مثل قافلة بيت آية الله الشاهرودي، أو المدرسة القزوينيّة، حيث لا تشارك في مثل هذه القوافل عناصر غريبةٌ، ولكن كانت هناك قافلتان معروفتان يواكبها معظم الطلبة الراغبين في المشاركة، إحداها القافلة المنسوبة لشهيد المحراب آية الله المدني ـ رحمه الله ـ إذ كان الكثير من الطلبة المتّقين يحاولون الالتحاق بها لما كان يتمتّع به الشهيد من خصوصيّاتٍ أخلاقيّةٍ وعرفانيّةٍ، والأخرى قافلة الشيخ محمد علي الحليمي الكاشاني الّتي كانت تنطلق من مدرسة المرحوم آية الله البروجردي وكان من الملازمين لها حتّى كربلاء آية الله الشهيد الحاج مصطفى الخميني رحمه الله. أمّا السيد الحليمي فكان من الموالين لمنظَّمة "فدائيان اسلام" والشهيد نواب صفوي والإمام الخمينيّ.

المصادر:


[1] الملكي التبريزي، المراقبات، ص85.

[2] الموقع الالكتروني تابناك.

[3] الشبيري الزنجاني، زيارة الإمام الحسين عليه السلام بمثابة عمرة واحدة، الموقع الالكتروني شفقنا.

[4] موقع آية الله السيستاني الإلكتروني، قسم الأسئلة والأجوبة.

[5] الوحيد الخراساني، بيان آية الله الوحيد الخراسانيّ حول أربعينيّة الحسين.

[6] www.shianews.com.

[7] آقا بزرك الطهراني، نقباء البشر، ج1، ص349.

[8] الأمين، أعيان الشيعة، ج10، ص359.

[9] الملكوتي، مذكّرات، ص174.