Logo Logo
مظاهر من شخصيّة الإمام زين العابدين(ع) (سيرته في بيته)
مظاهر من شخصيّة الإمام زين العابدين(ع) (سيرته في بيته)

مظاهر من شخصيّة الإمام زين العابدين(ع) (سيرته في بيته)

سيرته في بيته :

كان الإمام زين العابدين(ع) من أرأف الناس وأبرّهم وأرحمهم بأهل بيته، وكان لا يتميّز عليهم، وقد اُثر عنه أنّه قال: «لَئن أدخل السوق ومعي دراهم ابتاع بها لعيالي لحماً وقد قرموا
[1] أحبّ إليَّ من أن أعتق نسمة»[2].

وكان يبكر في خروجه مصبحاً لطلب الرزق لعياله، فقيل له: يابن رسول الله، أين تذهب؟ فقال: «أتصدّق لعيالي، قيل له: أتتصدق؟  قال: من طلب الحلال فهو من الله عزّوجلّ صدقة عليهم»
[3].

وكان (ع) يعين أهله في حوائجهم البيتية، ولا يأمر أحداً منهم فيما يخصّ شأناً من شؤونه الخاصة، كما كان يتولّى بنفسه خدمة نفسه خصوصاً فيما يخصّ شؤون عبادته، فإنّه لم يك يستعين بها أو يعهد إلى أحد في قضائها.

مع أبويه :

وقابل الإمام المعروف الذي أسدته إليه مربّيته بكلّ ما تمكّن عليه من أنواع الإحسان، وقد بلغ من جميل برّه بها أنّه امتنع أن يؤاكلها فلامه الناس، وأخذوا يسألونه بإلحاح قائلين: أنت أبرّ الناس وأوصلهم رحماً، فلماذا لا تؤاكل اُمّك؟ فأجابهم جواب من لم تشهد الدنيا مثل أدبه وكماله قائلاً: «أخشى أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها فأكون عاقّاً لها»
[4].

ومن برّه لأبويه دعاؤه لهما، وهو من أسمى القواعد في التربية الإسلامية الهادفة، وهذه مقاطع من هذه اللوحة الخالدة من دعائه(ع): « ... واخصص اللهمّ والديّ بالكرامة لديك، والصلاة منك يا أرحم الراحمين... وألهمني علم ما يجب لهما عليّ إلهاماً، واجمع لي علم ذلك كلّه تماماً، ثم استعملني بما تلهمني منه، ووفّقني للنفوذ فيما تبصرني من علمه... اللهم اجعلني أهابهما هيبة السلطان العسوف
[5]، وأبرّهما برّ الاُم الرؤوف، واجعل طاعتي لوالديّ وبرّي بهما أقرّ لعيني من رقدة الوسنان([6])، وأثلج لصدري من شربة الظمآن، حتى اُوثر على هواي هواهما، واُقدّم على رضاي رضاهما، واستكثر برّهما بي وإن قلّ، واستقلّ برّي بهما وإن كثر.

اللهمّ خفّض لهما صوتي، وأطب لهما كلامي، وألِن لهما عريكتي
[7]، واعطف عليهما قلبي، وصيرني بهما رفيقاً وعليهما شفيقاً... اللهمّ اشكرلهما تربيتي، وأثبهما على تكرمتي، واحفظ لهما ما حفظاه منّي في صغري... اللهمّ لا تُنسني ذكرهما في أدبار صلواتي، وفي آن من آناء ليلي، وفي كل ساعة من ساعات نهاري... اللهمّ صلّ على محمد وآله، واغفر لي بدعائي لهما، واغفر لهما ببرّهما بي...»[8].

مع أبنائه:

أمّا سلوك الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين(ع) مع أبنائه فقد تميّز بالتربية الإسلامية الرفيعة لهم، فغرس في نفوسهم نزعاته الخيّرة واتّجاهاته الإصلاحية العظيمة، وقد صاروا بحكم تربيته لهم من ألمع رجال الفكر والعلم والجهاد في الإسلام.

فكان ولده الإمام محمد الباقر(ع) أشهر أئمّة المسلمين، وأكثرهم عطاءً للعلم.

وأمّا ولده عبد الله الباهر فقد كان من أبرز علماء المسلمين في فضله وسمّو منزلته العلمية.

أمّا ولده زيد فقد كان من أجلّ علماء المسلمين، وقد برعَ في علوم كثيرة كعلم الفقه والحديث والتفسير والكلام وغيرها، وهو الذي تبنّى حقوق المظلومين المضطهدين، وقاد مسيرتهم الدامية في ثورته التي نشرت الوعي السياسي في المجتمع الإسلامي، وساهمت مساهمة إيجابية وفعّالة في الإطاحة بالحكم الاُموي
[9].

وزوّد الإمام (ع) أبناءه ببعض الوصايا التربوية لتكون منهجاً يسيرون عليه، قال (ع):

1 ـ «يا بُنيّ، اُنظر خمسةً فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا تُرافقهم في طريق»

فقلت له: يا أبه: من هم؟ قال(ع): إيّاك ومصاحبة الكذّاب، فإنّه بمنزلة السراب، يقرّب لك البعيد ويبعّد لك القريب. وإيّاك ومصاحبة الفاسق، فإنّه بائعك بأكلة أو أقلّ من ذلك. وإيّاك ومصاحبة البخيل، فإنّه يخذلك في ماله، وأنت أحوج ما تكون إليه. وإيّاك ومصاحبة الأحمق، فإنّه يريد أن ينفعك فيضرّك. وإيّاك ومصاحبة القاطع لرحمه، فإنّي وجدته ملعوناً في كتاب الله...»
[10].

2 ـ قال (ع): «يا بُنيّ، اصبر على النوائب، ولا تتعرّض للحقوق، ولا تجب أخاك إلى الأمر الذي مضرّته عليك أكثر من منفعته له...»
[11].

3 ـ وقال(ع): «يا بُنيّ، إنّ الله لم يرضك لي فأوصاك بي، ورضيني لك فحذّرني منك، واعلم أنّ خير الآباء للأبناء من لم تدعه المودّة إلى التفريط فيه، وخير الأبناء للآباء من لم يدعه التقصير إلى العقوق له»
[12].

مع مماليكه :

وسار الإمام(ع) مع مماليكه سيرة تتّسم بالرفق والعطف والحنان، فكان يعاملهم كأبنائه، وقد وجدوا في كنفه من الرفق ما لم يجدوا في ظلّ آبائهم، حتّى أنّه لم يعاقب أمَةً ولا عبداً فيما إذا اقترفا ذنباً
[13].

وقد كان له مملوك فدعاه مرّتين فلم يجبه، وفي الثالثة قال له الإمام برفق ولطف: «يا بُنيَّ، أما سمعت صوتي؟» قال: بلى... ، فقال له(ع): «لِمَ لَمْ تُجبْني؟» فقال: أمنت منك، فخرج الإمام وراح يحمد الله ويقول: «الحمد لله الذي جعل مملوكي يأمنني...»
[14].

المصادر:


[1] قرموا: شدّة شهوة اللحم (القاموس).

[2] الكافي 4: 12، جامع أحاديث الشيعة 21: 466.

[3] الكافي 4: 12، وسائل الشيعة 17: 67.

[4] الكامل للمبرد  1: 302، شذرات الذهب 1 : 105، مناقب آل أبي طالب 4: 176 عن أمالي النيشابوري، الخصال: 518 مع اختلاف يسير.

[5] العسوف: الظلوم.

[6] الوسنان: النعسان.

[7] العريكة: الطبيعة.

[8] الصحيفة السجادية، دعاؤه لأبويه: 128.

[9] حياة الإمام زين العابدين ، دراسة وتحليل: 55 ـ 56.

[10]  الكافي 2: 377، تحف العقول: 279.

[11] البيان والتبيين : 2 / 76، العقد الفريد : 3 / 88، مستدرك الوسائل 12: 363، مناقب آل أبي طالب 3: 302، تهذيب الكمال 20: 399.

[12] العقد الفريد  3: 89، تاريخ مدينة دمشق 19: 465 مع اختلاف يسير .

[13] إقبال الأعمال : 1/443 ـ 445 بإسناده عن التلعكبرى عن ابن عجلان عن الصادق((عليه السلام)) وعنه في بحار الأنوار : 46 / 103 ـ 105 . و 98/186 ـ 187.

[14] الإرشاد  2: 147، مناقب آل أبي طالب 3: 296 وفي تاريخ دمشق  41: 387.