Logo Logo
مؤشرات نجاح تخطيط الإمام السجاد(ع)
مؤشرات نجاح تخطيط الإمام السجاد(ع)

مؤشرات نجاح تخطيط الإمام السجاد(ع)

مؤشرات نجاح تخطيط الإمام السجاد(ع):

ولقد نجحت خطط الإمام(ع) على شتّى الأصعدة وحسبما خطّط لها، وفيما يلي مصداقان عمليان على ذلك:

ففي المجال الاجتماعي: أثمرت خطّة الإمام(ع) حيث حظي بإجلال القّطاعات الواسعة من الاُمّة وولائها، والمصادر التاريخية مجمعة على ذلك. قال ابن خلّكان: لمّا حجّ هشام بن عبدالملك في أيام أبيه، فطاف وجهد أن يصل الحجر ليستلمه، فلم يقدر عليه لكثرة الزحام، فنُصِب له منبر وجلس عليه ينظر إلى الناس، ومعه جماعة من أعيان أهل الشام، فبينما هو كذلك إذ أقبل زين العابدين عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب«رضي الله عنهم»، وكان من أحسن الناس وجهاً وأطيبهم أرجاً، فطاف بالبيت، فلمّا انتهى إلى الحجر تنحّى له الناس حتى استلم، فقال رجل من أهل الشام: من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة؟ فقال هشام: لا أعرفه، مخافة أن يرغب فيه أهل الشام، وكان الفرزدق حاضراً فقال: أنا أعرفه، فقال الشامي: من هذا يا أبا فراس؟ فقال:

يا سائلي أين حل الجود والكرم *** عندي بيان إذا طلابه قدموا

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته *** والبيت يعرفه والحل والحرم

هذا ابن خير عباد الله كلّهم *** هذا التّقي النّقي الطاهر العلم

هذا الذي أحمد المختار والده *** صلّى عليه إلهي ماجرى القلم

لو يعلم الركن من قد جاء يلثمه *** لخرّ يلثم منه ما وطى القدم

هذا عليّ رسول الله والده *** أمست بنور هداه تهتدى الأُمم

هذا الذي عمّه الطيّار جعفروا *** لمقتول حمزة ليث حبّه قسم

هذا ابن سيّدة النسوان فاطمة *** وابن الوصي الذي في سيفه نقم

فلمّا سمع هشام هذه القصيدة غضب وحبس الفرزدق، وأنفذ له الإمام زين العابدين(ع) اثني عشر ألف درهم، فردّها وقال: مَدَحتُهُ للهِ تعالى لا للعطاء، فقال الإمام(ع) : «إنّا أهلُ بَيت إذا وهبنا شيئاً لا نستعيده»، فقبلها منه الفرزدق
[1].

إنّ  هذه الحادثة توضّح أنّ الإمام(ع) كان قد حظي بولاء جماهيريٍّ حقيقيٍّ واسع النطاق، بشكل جعل ذلك الولاء يتجسّد حيّاً حتى في أقدس ساعة، وفي موقف عباديّ مشهود، فما أن تلتقي الجماهير الكثيفة بإمامها الحقّ حتى توسّع له، كي يؤدّي مناسكه دون أيّة مضايقة عفوية منها، بالرغم من أنّ الاُمّة تدرك عداء الحكم الاُموي لأهل البيت(ع) وما يترتّب على ذلك العداء من موقف تجاه أنصار أهل البيت(ع) وأتباعهم.

وحقّق النشاط العلمي للإمام (ع) غاياته المتوخّاة، فالمسجد النبويّ الشريف ودار الإمام(ع) شهدا طوال خمسة وثلاثين عاماً ـ وهي فترة إمامته ـ نشاطاً فكرياً من الطراز الأوّل، حيث استقطب الإمام(ع) طلاّب المعرفة الإسلامية في جميع حقولها، لا في المدينة المنورة ومكّة المكرمة وحدهما، وإنّما في الساحة الإسلامية بأكملها، حتى استطاع أن يخلق نواة مدرسة فكرية لها طابعها ومعالمها المميّزة، وتخرّج منها قادة فكر ومحدّثون وفقهاء.

إنّ انفصام عرى الشيعة بعد استشهاد الإمام الحسين(ع) وتَشَتُّت قُواهم كان من أعظم الأخطار التي واجهها الإمام زين العابدين(ع) باتّجاه استجماع القوى وتكميل الإعداد من جديد، وقد كان هذا الهدف بحاجة إلى إعداد نفسي وعقيدي وإحياء الأمل في القلوب وبثّ العزم في النفوس.

وقد تمكّن الإمام زين العابدين(ع) بعمله الهادئ والمنظّم أن يشرف على تكميل هذه الاستعادة، وعلى هذا الإعداد بكل قوّة وبحكمة وبسلامة وجدّ.

المصادر:


[1] القصيدة طويلة وهي مذكورة في كثير من المصادر التأريخية والأدبية، اُنظر: وفيات الأعيان لابن خلّكان 6: 96.